رثاء مظفّر نجيب صالحة

   الذي توفّي قتلًا برصاصة انطلقت من دون قصد، من مسدّسه الذي كان يتلهّى به صديق له من آل سمّاقية، هذا الصديق الذي قتل نفسه للحال لمّا رأى مظفّر قتيلًا أمامه، فكانت جريمة طيش مزدوجة!

***

حـاربيــنـي يـا نــائبـات الليـالي    عــن يميـني وتـارة عن شمـالـي

   هذا لسان حالك اليوم، يا أبا المعالي، أبا مظفّر!

   نعم، المصاب جَلَل، والرزء فادح، والعبء ثقيل، ترزح تحت وطأته الجبابرة، ولا يتحمّله إلّا أمثالك يا أبا العزائم، يا من تمرّست بالصبر الجميل، وتعمّدت بالألم وخبرت غدر الزمان، وتدرّعت بالإيمان، وتردَّيت بثوب الرضى والتسليم.

   أجل يا أبا مظفّر، الفاجعة أليمة والجرح بليغ، لقد قضى حبيبك وحبيب كل القلوب، مظفّر! ومن مظفّر؟ زينُ الشباب ومثال الفتوَّة، لقد سبِرتُ عمق نفسه فعرفت فيه روحًا نقيّة، طاهرة كزنبقة الغور، ولسانًا عفًّا أعذب من الماء النمير، وأرقّ من نسيم الصباح، وألطف من السنة العذارى، وهمّة قعساء كهمّة العقبان، وجرأة نادرة المثال في مواقف الدفاع عن الحقّ والكرامة، وقلبًا أرقّ وأحنّ من قلوب الأمّهات، لا يجاريه في مضمار الإنسانيّة والعمل الطيّب، وهو بعد في مطلع العمر وريعان الشباب، سوى هذا الأب الثاكل المفجوع الخاشع أمام مشيئة الله!

   هذا هو مظفّر، أمل أمّه وأبيه، أمل بلدته، لا بل أمل بلاده! فيا لخيبة الآمال، مات مظفّر!

   لقد فاجأتنا يد المنون الغادرة القاسية وانتزعته من بين ظهرانينا، وأُنبئنا نعيه المشؤوم، فلم نصدّق آذاننا، ولكن تأكّد النبأ، ويا لهول ما تأكّد، ويا لعظم الخسارة، فوجمنا ذاهلين، خاشعين، مردّدين: الله أكبر الله أكبر!

   فيا أيّها الأب الحزين ويا أيّتها الأمّ الثكلى الحزينة، لقد شاهدتكما تبكيان متفجّعين بوقار على زين الفتيان غسّان، قريبكما، منذ عشرة أيام، ولم تكد مآقيكما تجفّ من العبرات المذروفة حتّى داهمتكما هذه النكبة التي تهون أمام هولها النكبات! فما الحيلة؟ وما العمل؟ هذا هو القدر المحتوم الذي لا مردّ له! لقد استُرِدَّت الوديعة الغالية إلى باريها، حيث تنسكب عليها تشابيب رحمته.

   فعزاء أيّها الوالدان المكلومان ويا أخت الفقيد وأخويه الشقيقين العزيزين!

   وعزاء يا أبناء قرية مظفر وأبناء المتن، وقانا الله وإيّاكم كلّ مكروه.

   شكر من والد الفقيد الغالي وآله وأبناء رأس المتن، للشخصيّات والوفود الكريمة التي أمّت هذا المأتم المهيب من الأماكن القاصية والدانية، ولها أجر الله الذي نتوسّل إليه أن يقيها جميعًا شرور الأيّام ونكبات الليالي، إنّه على كلّ شيءٍ قدير!                                 

                                        يوسف س. نويهض